الـــتـــراث الــنــوبـــى
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
التراث النوبى عريق عراقة الحضارة النوبية التى تمتد جذ ورها إلى اكثر من ألفين عام قبل ميلاد المسيح والتى تعتبر فخر لمصر بل لأفريقيا بأسرها .
كانت النوبة القديمة تمتد من الشلال الأول فى أسوان وحتى الشلال الخامس قبل بداية انحناء النيل وكان الناس يعيشون على هذا الشريط الضيق على النيل ، والذى يمتد نحو خمسمائة كيلو متر يتحدثون لغات النوبة التى تنتمي إلى العائلة اللغوية الكبرى والتى تسمى لغات شرق السودان ، واللغة النوبية صمد ت وبقيت على مر العصور رغم تعرض النوبيين على اختلاف مناطقهم الجغرافية لكثير من الإقتحامات والتفاعلات الثقافية .
أدى بناء السد العالى فى أسوان الى محو العديد من أثار النوبة كما وضع نهاية للأراضي القديمة للشعب النوبى ، فقد تم تهجير حوالى خمسين ألف نوبى مصرى الى موقع بالقرب من كوم أمبو فى محافظة أسوان ، وتم تسكينهم فى منازل أسمنتية تبعد عن النيل العظيم ، ولا شك أن تأثير هذا التهجير على الناس لها على الأقل نفس الأهمية التى نوليها للآثار القديمة التى تكتظ بها المنطقة ، كانت هناك مساعى دولية لإنقاذ الآثار فى بلاد النوبة يبدو أن تلك المساعى لم تول اهتماما لثقافة أهل النوبة ولم تحاول الحملات الدولية تسجيل العناصر المكونة لهذه الثقافة .
اختلفت سبل حياة النوبيين بعد تهجيرهم إلى المواقع الجديدة إلى حد كبير عن حياتهم القديمة نتيجة اقتلاعهم من جذ ورهم ببعادهم عن وطنهم وأرضهم ألا أن الكثير من النوبيين كانوا يرغبون فى الهجرة وهذه الرغبة كانت ممزوجة بالتشوق نحو الحياة فى النوبة القديمة وبالتخوف مما يحمله المستقبل لهم فى الموقع الجديد ، ويرجع تصور النوبيين لأرضهم كمنطقة تملؤها الخيرات وثمار النخيل والذرة وغيره .
فالدمار الذى لحق بالنوبة لا يرجع إلى بناء السد العالى فى الستينات بل بدأ بسلسلة من المراحل منذ سنة 1902 عندما تم بناء الخزان الأول فى أسوان ، ففى تلك الفترة غمرت المياه معظم الأرض وقد تمت التعلية الأولى للخزان أسوان فى سنة 1912 ثم فى سنة 1933 وفى كل مرة كانت البحيرة تزداد اتساعاً نحو الجنوب ، فكل المراحل التى طرأت على مستوى المياه تركت أثارها على حياة النوبة والنوبيين .
فمنذ قرون مضت بدأ رجال النوبة يهاجرون نحو المدن المصرية للعمل فى مجال الخدمة فالأراضي النوبية لم تعد خصبة وفعالة فى الحفاظ على الحياة الكريمة فى النوبة ، وكان يؤدي عدم ثبات مستوى مياه النهر إلى إغلاق السد قبل موعده مما يجعل زراعة محاصيل الصيف غير مضمونة النتائج ، أصبحت المبالغ المالية التى يرسلها الرجال الذين يعملون خارج النوبة هى الدعامة الأساسية للنساء والأطفال والشيوخ الذين استمروا فى الإقامة ببلاد النوبة الجرداء وهذا الوضع يختلف عن أوضاع النوبة فى الماضى عندما كانت أشجار النخيل تطل على جانبى النهر وحقول الذرة تزين ضفاف النيل ، وسمائها الصافية كالفيروز ورمالها الذهبية ولياليها القمرية ، فكانت النوبة منطقة خلابة ترقد فى أحضان الطبيعة .
كان النوبيون قبل هجرتهم الكبرى فى 1963 ، 1964 قد استغرقوا ستين عاما للتأقلم ومعايشة الأزمة التى تمر بها البلاد كانوا يشعرون بالحنين نحو ارض الأجداد وكانوا لا يثقون فى وعود الحكومة ولكنهم كانوا دائما يتطلعون لحياة افضل بعد التهجير وكانت الحكومة تعدهم بأراضي جديدة ومنازل وكانوا يتوقعون أيجاد فرصة لتحسين الأوضاع الاقتصادية وجمع شمل العائلات والمشاركة فى فرص التعليم والعمل التى نادت بها الثورة المصرية بقيادة جمال عبد الناصر .
بالرغم من أن النوبيين كانوا يشعرون بالحزن والأسى للابتعاد عن أرضهم ارض الذكريات والطفولة ، كما كانوا يشعرون بالألم وهم ينظرون لتلك المنازل ذات المعمار المتميز وتلك القطع الفنية التى تركوها خلفهم إلا أن معظمهم كانوا يعقدون العزم على إحداث بعض التغيرات فى عاداتهم وتقاليدهم وأسلوب حياتهم ، وهذا الموقف الذى يشير إلى استعداد النوبيين للحياة الجديدة كانت تباركة الحكومة التى سعت لاحتواء النوبة ثقافيا وحضاريا وجعلها قطعة من النسيج القومى ، فعلى سبيل المثال تم إنشاء مدارس التهجير الجديدة والتى يتعلم فيها أطفال النوبة ، مما أدي الى تعميم اللغة العربية وترسيخ القيم الوطنية والقومية وخلق عقلية حضرية وهذه هى بعض الأسباب التى تشير الى أن مظاهر الثقافة فى بلاد النوبة والتى كانت قوية وشامخة عندما كانت قرى النوبة تقبع فى مناطق منعزلة ومنفصلة عن مؤثرات العالم الخارجى قد تندثر وتختفى الى الأبد فى القريب العاجل ، ونظرا لوفاة معظم الأجيال القديمة منذ التهجير فان محاولات إحياء العادات والطقوس فى النوبة سوف تأتى بعد أن تندثر معالم الحضارة والثقافة النوبية القديمة وانه لمن المتوقع أن تختفى الى الأبد هذه المعالم وربما لقيت آثار ومقتنيات النوبة حظا وافر فى استعادتها من أعماق البحر .
بقلم / سيد محجوب
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
[/size][/b][/center]