من طرف [size=21]بمناسبة العام الهجري الجديدان حادث الهجرة له دلالاته التي تتمثل في حب الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام إلي بلده الذي ولد وعاش فيه، والذي شاهد مهبط الوحي والمبعث، كما له دلالة عن حفظه الله تعالي له من الدسائس والمؤامرات والأهواء، وأن من يحفظ لاقدرة لبشر علي إيذائه.
[b]في ذكري الهجرة النبوية الشريفة تتداعي إلي الذهن السيرة النبوية العطرة، ومواقف الرسول الخالدة وحرصه علي تبليغ الدعوة مهما كانت الصعوبات، كما تتجلي في هذه السيرة العظيمة العطرة عظمة الرسول الكريم، وتحديه لصلف مكة وطغيان زعمائها.. لقد حاولوا قتله، ودبروا مؤامرة أن يجتمع عدد من شباب القبائل، ويقومون باغتيال أعظم رسل السماء، ويتوزع دمه بين القبائل! دبروا هذه المكيدة بعد أن فشلوا في إثنائه عليه الصلاة والسلام عن الدعوة لدين الله، وبعد أن فشلوا في إرجاع من اسلم إلي دين الأباء والأجداد، ولم يجدوا حيلة لانهاء هذه الدعوة المحمدية إلا بالقضاء علي صاحب الدعوة نفسه، بعد أن فشل تعنتهم، وطلبهم منه الاتيان بالمعجزات.. فقال لهم الرسول الكريم: سبحان الله.. هل كنت إلا بشرا رسولا' أو كما تحدث القرآن الكريم:
وقال سبحانه وتعالي:
: وما منعنا أن نرسل الآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا'.
الاسراء 59
لم تنفع مكة الضغوط الهائلة علي المسلمين حتي اضطر بعضهم إلي الهجرة إلي الحبشة، ولم يجد الحصار في شعب من شعاب مكة، لم تجد كل هذه الضغوط ففكروا في التخلص من الرسول نفسه بالاغتيال.
واذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك، أو يقتلوك، أو يخرجوك، ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين'.
الأنفال 30
وعزم الرسول الكريم بالهجرة من مكة إلي المدينة بعد أن أمر الله سبحانه وتعالي بذلك، وصحبه أبوبكر الصديق، وكان هناك نفر من الأنصار قد أسلموا بعد بيعة العقبة الأولي والثانية، وخرج الرسول عليه الصلاة والسلام وسط من حاولوا قتله وهم يحاصرون بيته، وهو يتلو قوله تعالي:
: وجعلنا من بين أيديهم سدا، ومن خلفهم سدا، فأغشيناهم فهم لايبصرون'
يس 9
واختبأ الرسول وصاحبه في غار ثور، ونسج علي باب الغار خيوط العنكبوت، وعششت حمامه.. ولم يدركه القوم، حتي أن الصديق قال لأعظم رسل الله:
يارسول الله لو أن أحدهم نظر إلي ما تحت قدميه لرآنا.
فقال له الرسول الكريم:
لاتحزن إن الله معنا
ومكثا في الغار يومين، وفي اليوم الثالث، قرر الرسول الكريم التوجه نحو المدينة، وقبل المسير نظر إلي مكة.. وطنه الذي عاش فيه طفولته وصباه وشبابه، وقال والعين دامعة:
: والله إني لأخرج منك، وإني أعلم أنك أحب أرض الله إلي الله، وأكرمها علي الله، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت'.
***
وفي الطريق إلي يثرب حدثت الكثير من المعجزات.. منها فشل لم
سراقه بن مالك في الامساك به بعد أن غاصت أقدام حصانه في الرمال وسقوطه من علي صهوة حصانه.
ومنها تدفق اللبن من ماعز هزيل تملكه 'أم معبد' بعد أن أخذ الرسول يمسح ضرع الشاه بيده ويذكر اسم الله ويدعو:
: اللهم بارك لنا في شاتنا'
فامتلأ ضرع الشاة ودرٌّ لبنها، وسقي من هذا اللبن الجميع.
وقد وصفت 'أم معبد' الرسول الكريم لزوجها عندما عاد من الرعي:
: رأيت رجلا ظاهر الوضاءة (النظافة) مشرق الوجه، حسن الخلق، وسيما قسيما (حسن الملامح)، في عينية دجج (سعة) أحور أكحل، اذا صمت فعليه الوقار، واذا تكلم سما وعلاه البهاء، وكأن منطقه خرزات نظم (كلماته كالآليء) كلامه فصل، لاتزر ولاهزل (لا لغو في كلامه) أجهر الناس وأحملهم من بعيد وأحلاهم وأحسنهم من قريب، وسط بين الطول والقصر، له رفقاء يحفون به، اذا قال استمعوا لقوله، واذا أمر تبادروا إلي أمره...'
وقد تحدث عن هذه القصة مصورا أحداثها أحد الشعراء بقوله:
جزي الله رب الناس خير جزائه
رفيقين حلا خيمتي أم معبد
هما نزلا بالبر ثم ترحلا
فأفلج من أمسي رفيق محمد
سلوا أختكم عن شاتها وإنائها
فانكمو ان تسألوا الشاة تشهد
دعاها بشاة حائل فتحلبت
له بصريح خرة الشاة مزبد
***
ويصل أعظم رسل الله إلي قباء، فبني فيه مسجد قباء الذي قال عنه سبحانه وتعالي:
: لمسجد أسس علي التقوي من أول يوم أحق أن تقوم فيه. فيه رجال يحبون أن يتطهروا، والله يحب المطهرين'.
واستقبله أهل المدينة بهذه الأغنية الرقيقة.
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ما دعا لله داع
أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع
***
وفي المدينة ترآخي الرسول بين المهاجرين والأنصار، ويبني مسجده، ثم يضع دستور المدينة الذي بين فيها حقوق جميع المواطنين بها من يهود ومسلمين وجميع الطوائف، بما سمي صحيفة المدينة.
***
لقد أقيم مجتمع جديد في المدينة معطر بأريج الروح والقيم الانسانية الرفيعة، والمباديء الروحية، وما ينظم حياة الناس من معاملات، ووضح ما في الاسلام من تعاليم وقيم وعبادات، ويصبح للاسلام دولة في المدينة.
ولكن الصراع لم ينته بين المسلمين ومشركي مكة.
والصراع لم ينته بين المسلمين واليهود في المدينة وما حولها، فما أكثر ما تنكر هؤلاء اليهود للمواثيق والعهود.
وكان لابد أن يدور صراع بين الرسول ومشركي مكة وغيرها من الذين ظلوا علي الكفر.
وكان لابد ايضا من الصراع بين المسلمين واليهود.
وكانت غزوات النبي وجهاده العظيم الذي انتهي بدخول المسلمين مكة نفسها، وتطهير بيت الله من الأوثان، ثم دخول الناس في دين الله أفواجا.
وكانت هناك الحروب بين النبي ومختلف طوائف اليهود التي انتهت بالانتصار الساحق للاسلام ونبي الاسلام.
وكان هناك أيضا دولة الرومان التي تمثل الشام ومصر وفلسطين، والشمال الافريقي، والتي كانت تناويء الاسلام والمسلمين، وتحاول الخلاص من هذا الدين الجديد، الذي وحد العرب لأول مرة في التاريخ، ووجد الرومان فيهم القوة التي تشكل خطرا علي امبراطوريتهم الضخمة، وكان أول احتكاك بين المسلمين والروم في معركة (مؤته) التي استطاع من خلالها خالد بن الوليد، أن يقود هذا الجيش الاسلامي الزاحف لمحاربة الروم أن ينسحب به ويعود به إلي المدينة، بعد ان قتل القادة الذين سبقوه في المعركة، لأن الروم كانوا أكثر عددا وعتادا، وبعد ذلك ذهب الرسول العظيم بنفسه لمجابهة الروم في غزوة تبوك، ولكن الروم لم يجرؤا علي مجابهة الرسول، ولكنها كانت بداية الاحتكاك بأكبر دولة في العالم، والذي استطاع المسلمون الانتصار عليهم بعد ذلك في عهد خلفاء الرسول، كما انتصروا علي الفرس، وأصبح المسلمون أقوي دول الأرض والذين أخذوا في التوسع، ونشر الحضارة الاسلامية في مختلف قارات الدنيا.
***
وغادر الرسول الكريم الدنيا بعد أن نشر نور الاسلام في كل أرجاء شبه الجزيرة العربية، وبعد أن أضاءت حضارة الاسلام القلوب والعقول، وترك هذا الدين الخالد العظيم الذي أضاء جوانب النفس البشرية بكل ما هو جدير بالخلود وأضاء العالم كله بقيمه ومبادئه وأخلاقياته ومثله العليا.
وسيظل يوم الهجرة خالدا في العقول والقلوب.. فلقد كانت الهجرة نورا.
صلي الله عليه وسلم [/size][/b]
[b]في ذكري الهجرة النبوية الشريفة تتداعي إلي الذهن السيرة النبوية العطرة، ومواقف الرسول الخالدة وحرصه علي تبليغ الدعوة مهما كانت الصعوبات، كما تتجلي في هذه السيرة العظيمة العطرة عظمة الرسول الكريم، وتحديه لصلف مكة وطغيان زعمائها.. لقد حاولوا قتله، ودبروا مؤامرة أن يجتمع عدد من شباب القبائل، ويقومون باغتيال أعظم رسل السماء، ويتوزع دمه بين القبائل! دبروا هذه المكيدة بعد أن فشلوا في إثنائه عليه الصلاة والسلام عن الدعوة لدين الله، وبعد أن فشلوا في إرجاع من اسلم إلي دين الأباء والأجداد، ولم يجدوا حيلة لانهاء هذه الدعوة المحمدية إلا بالقضاء علي صاحب الدعوة نفسه، بعد أن فشل تعنتهم، وطلبهم منه الاتيان بالمعجزات.. فقال لهم الرسول الكريم: سبحان الله.. هل كنت إلا بشرا رسولا' أو كما تحدث القرآن الكريم:
وقال سبحانه وتعالي:
: وما منعنا أن نرسل الآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا'.
الاسراء 59
لم تنفع مكة الضغوط الهائلة علي المسلمين حتي اضطر بعضهم إلي الهجرة إلي الحبشة، ولم يجد الحصار في شعب من شعاب مكة، لم تجد كل هذه الضغوط ففكروا في التخلص من الرسول نفسه بالاغتيال.
واذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك، أو يقتلوك، أو يخرجوك، ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين'.
الأنفال 30
وعزم الرسول الكريم بالهجرة من مكة إلي المدينة بعد أن أمر الله سبحانه وتعالي بذلك، وصحبه أبوبكر الصديق، وكان هناك نفر من الأنصار قد أسلموا بعد بيعة العقبة الأولي والثانية، وخرج الرسول عليه الصلاة والسلام وسط من حاولوا قتله وهم يحاصرون بيته، وهو يتلو قوله تعالي:
: وجعلنا من بين أيديهم سدا، ومن خلفهم سدا، فأغشيناهم فهم لايبصرون'
يس 9
واختبأ الرسول وصاحبه في غار ثور، ونسج علي باب الغار خيوط العنكبوت، وعششت حمامه.. ولم يدركه القوم، حتي أن الصديق قال لأعظم رسل الله:
يارسول الله لو أن أحدهم نظر إلي ما تحت قدميه لرآنا.
فقال له الرسول الكريم:
لاتحزن إن الله معنا
ومكثا في الغار يومين، وفي اليوم الثالث، قرر الرسول الكريم التوجه نحو المدينة، وقبل المسير نظر إلي مكة.. وطنه الذي عاش فيه طفولته وصباه وشبابه، وقال والعين دامعة:
: والله إني لأخرج منك، وإني أعلم أنك أحب أرض الله إلي الله، وأكرمها علي الله، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت'.
***
وفي الطريق إلي يثرب حدثت الكثير من المعجزات.. منها فشل لم
سراقه بن مالك في الامساك به بعد أن غاصت أقدام حصانه في الرمال وسقوطه من علي صهوة حصانه.
ومنها تدفق اللبن من ماعز هزيل تملكه 'أم معبد' بعد أن أخذ الرسول يمسح ضرع الشاه بيده ويذكر اسم الله ويدعو:
: اللهم بارك لنا في شاتنا'
فامتلأ ضرع الشاة ودرٌّ لبنها، وسقي من هذا اللبن الجميع.
وقد وصفت 'أم معبد' الرسول الكريم لزوجها عندما عاد من الرعي:
: رأيت رجلا ظاهر الوضاءة (النظافة) مشرق الوجه، حسن الخلق، وسيما قسيما (حسن الملامح)، في عينية دجج (سعة) أحور أكحل، اذا صمت فعليه الوقار، واذا تكلم سما وعلاه البهاء، وكأن منطقه خرزات نظم (كلماته كالآليء) كلامه فصل، لاتزر ولاهزل (لا لغو في كلامه) أجهر الناس وأحملهم من بعيد وأحلاهم وأحسنهم من قريب، وسط بين الطول والقصر، له رفقاء يحفون به، اذا قال استمعوا لقوله، واذا أمر تبادروا إلي أمره...'
وقد تحدث عن هذه القصة مصورا أحداثها أحد الشعراء بقوله:
جزي الله رب الناس خير جزائه
رفيقين حلا خيمتي أم معبد
هما نزلا بالبر ثم ترحلا
فأفلج من أمسي رفيق محمد
سلوا أختكم عن شاتها وإنائها
فانكمو ان تسألوا الشاة تشهد
دعاها بشاة حائل فتحلبت
له بصريح خرة الشاة مزبد
***
ويصل أعظم رسل الله إلي قباء، فبني فيه مسجد قباء الذي قال عنه سبحانه وتعالي:
: لمسجد أسس علي التقوي من أول يوم أحق أن تقوم فيه. فيه رجال يحبون أن يتطهروا، والله يحب المطهرين'.
واستقبله أهل المدينة بهذه الأغنية الرقيقة.
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ما دعا لله داع
أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع
***
وفي المدينة ترآخي الرسول بين المهاجرين والأنصار، ويبني مسجده، ثم يضع دستور المدينة الذي بين فيها حقوق جميع المواطنين بها من يهود ومسلمين وجميع الطوائف، بما سمي صحيفة المدينة.
***
لقد أقيم مجتمع جديد في المدينة معطر بأريج الروح والقيم الانسانية الرفيعة، والمباديء الروحية، وما ينظم حياة الناس من معاملات، ووضح ما في الاسلام من تعاليم وقيم وعبادات، ويصبح للاسلام دولة في المدينة.
ولكن الصراع لم ينته بين المسلمين ومشركي مكة.
والصراع لم ينته بين المسلمين واليهود في المدينة وما حولها، فما أكثر ما تنكر هؤلاء اليهود للمواثيق والعهود.
وكان لابد أن يدور صراع بين الرسول ومشركي مكة وغيرها من الذين ظلوا علي الكفر.
وكان لابد ايضا من الصراع بين المسلمين واليهود.
وكانت غزوات النبي وجهاده العظيم الذي انتهي بدخول المسلمين مكة نفسها، وتطهير بيت الله من الأوثان، ثم دخول الناس في دين الله أفواجا.
وكانت هناك الحروب بين النبي ومختلف طوائف اليهود التي انتهت بالانتصار الساحق للاسلام ونبي الاسلام.
وكان هناك أيضا دولة الرومان التي تمثل الشام ومصر وفلسطين، والشمال الافريقي، والتي كانت تناويء الاسلام والمسلمين، وتحاول الخلاص من هذا الدين الجديد، الذي وحد العرب لأول مرة في التاريخ، ووجد الرومان فيهم القوة التي تشكل خطرا علي امبراطوريتهم الضخمة، وكان أول احتكاك بين المسلمين والروم في معركة (مؤته) التي استطاع من خلالها خالد بن الوليد، أن يقود هذا الجيش الاسلامي الزاحف لمحاربة الروم أن ينسحب به ويعود به إلي المدينة، بعد ان قتل القادة الذين سبقوه في المعركة، لأن الروم كانوا أكثر عددا وعتادا، وبعد ذلك ذهب الرسول العظيم بنفسه لمجابهة الروم في غزوة تبوك، ولكن الروم لم يجرؤا علي مجابهة الرسول، ولكنها كانت بداية الاحتكاك بأكبر دولة في العالم، والذي استطاع المسلمون الانتصار عليهم بعد ذلك في عهد خلفاء الرسول، كما انتصروا علي الفرس، وأصبح المسلمون أقوي دول الأرض والذين أخذوا في التوسع، ونشر الحضارة الاسلامية في مختلف قارات الدنيا.
***
وغادر الرسول الكريم الدنيا بعد أن نشر نور الاسلام في كل أرجاء شبه الجزيرة العربية، وبعد أن أضاءت حضارة الاسلام القلوب والعقول، وترك هذا الدين الخالد العظيم الذي أضاء جوانب النفس البشرية بكل ما هو جدير بالخلود وأضاء العالم كله بقيمه ومبادئه وأخلاقياته ومثله العليا.
وسيظل يوم الهجرة خالدا في العقول والقلوب.. فلقد كانت الهجرة نورا.
صلي الله عليه وسلم [/size][/b]
