كان أهل النوبة أكثر الشعوب التى تعيش على ضفاف النيل ، وكان للنيل أثره العظيم ودوره الهام فى حياتهم ، والتى بدونه ما استقرت الحياة فى النوبة حيث كانت الأراضي الصالحة للزراعة تعتمد على الطمى الذى يجلبه النيل من الألف السنين ، وهذه المنطقة البعيدة لم تكن تربطها بالمناطق الأخرى أى طرق أو وسائل مواصلات سوى النيل الذى استخدم فى نقل الركاب والبضائع عبر البواخر النيلية والتى عرفت ، عند النوبيين باسم ( البوستة ) وكان من أشهر البواخر وقتها ( تنجور وهكسوس ) فكانت تتوقف فى 46 منطقة فى النوبة فى طريقها إلى وادى حلفا فى طريق عودتها إلى مرفأ الشلال بأسوان ، وكانت هى الصلة الرئيسية بين معظم هذه النواحى والعالم الخارجى حيث كانت تحضر النقود والطرود والأشخاص من المدن المصرية وتحمل الرسائل والناس إلى أسوان فى طريقهم إلى مصر السفلى ، وهكذا كان وصولها فى منتصف الليل أمرا ينتظره الناس فهى تحمل السعادة للبعض وتحمل خيبة الأمل للبعض الأخر ، فالنيل كان مركزاً للأنشطة يومية عديدة وموقعاً لتبادل المعلومات ، لقد ارتبط أهل النوبة بالنيل ليس كشريان لحياة فقط وانما كانت هناك صلة ترابط بينهم فى بعض الطقوس والمعتقدات الخاصة ومنها على سبيل المثال علاقتهم بملائكة النهر حيث كان يعتقدون أهل النوبة أن هناك مخلوقات تعيش فى قصور تحت الماء فى نهر النيل ولها صفات إنسانية مثل الجنس والسن .
وكان للنهر دورة الهام حتى فى طقوس الزواج ، وكان للولادة ايضا علاقة وثيقة بالنهر حيث كانت تحمل الام مولودها وتتجه به إلى النهر وتقوم بإلقاء عدد سبع حبات من البلح مع المشيمة فى النهر وتقوم بغسل وجه الطفل ويديه وقدميه ، وكذلك فى حالة ختان الذكر كان يغطى جسد الطفل بالحنة ويأخذ الطفل إلى النهر للاستحمام فيه ، ثم يبدأ الحلاق بإجراء عملية الطهور وفور انتهاء العملية تعلق عملة معدنية لقطعة الجلد التى بترها الحلاق وتلقى بهما فى النهر .
وكان للختان الذكور مراسم احتفالية خاصة ، وعادة كانت تتم الختان فى الفترة مابين أربعين يوماً بعد الولادة وحتى بلوغ سن العاشرة وكان يطلق عليها اسم ( باليه دوى ، أو أركنة دول ) أى الزواج الكبير فكانت من أهم واكبر شعائر الاحتفال فى النوبة ، وعلى الرغم من أن الختان فى النوبة كان يتسم بضخامة التكاليف ويحتاج إلى وقت أطول فى التنظيم الإ أنه ياتى فى المرتبة الثانية بعد الزواج وكانت أهم الترتيبات توقير الماشية التى تنحر فى هذه المناسبة ، وعندما يتفق أقارب الطفل يقوم أحد العبيد بإعلان موعد الختان رسميا ، ويتجول فى القرية والقرى المجاورة معلناً يوم الختان وتفاصيل الاحتفال ، وعندئذ تتجمع النساء فى اليوم التالى فى منزل الطفل للمعاونه فى إعداد الملابس والطعام للضيوف كالشعرية وخبز الذرة والبلح والابريق وتستغرق الاستعدادات خمسة عشر أو عشرين يوماً .
وعندما تتم الاستعدادات لهذه المناسبة يقوم العبد بجولة أخرى داعياً الناس لحضور الاحتفال ، ويصل الضيوف فى أزهى ملابسهم من كل مكان ، بالقوارب أو بالدواب أو مشياً على الأقدام وكان يطلق على أول أيام حفل الختان اسم ( باسم ) حيث تبداء الموسيقى والرقص ظهر هذا اليوم لتستمر قرابة أربعة أيام بلا توقف ثم تنحر الأسرة بقرة وتقيم وليمة للضيوف فى المساء وكان الطفل المحتفل به يتبوأ موقع الشرف مرتديا ملابس جديدة تزينها حبات السبحة وعملات ذهبية أو فضية .
وكانت عملية الختان تتم فى صباح اليوم التالى لاحتفالات الرقص وفى الصباح الباكر يستحم الطفل ويلبس جلابية بيضاء من القماش الخفيف حتى لا يؤثر علي الجرح وتوضع قلادة ذهبية تسمى ( باندوكى ) أو فرج الله والخاصة بوالدته أو جدته حول عنقه ويوضع الحنه فى يديه وقدميه وكذلك الكحل على العنيين ، وبعد وضع الحنه توضع طرحة امرأة على راس الطفل وكانت هذه الإجراءات الوقائية تتخذ ضد الجن ، وفى تلك الأثناء يقدم الأهالي النقوط إلى عائلة الطفل ، وكان من النادر تداول النقود فى النوبة القديمة ، ولذا كان النقوط عبارة عن بلح وأقماع السكر والقمح وكان أحد العبيد يعلن عن الهدايا التى يقدمها الرجال والنساء للأبوين ثم يتم تدوينها بعناية .
وبعد ذلك يبداء الحلاق بتلاوة البسملة ثم يقوم ببتر جلده الذكر وكان يتم وضع بيضتين فى إناء صغير وتقربه الام من انف الصبى حتى لا يصاب بالإغماء ثم تضع بعض هذا البيض على الجرح ، وفى تلك الأثناء تستمر النساء فى الرقص والدق على الدفوف مطلقين زغاريد الفرحة ويقدمن التهاني مرددين ( مبروك يا عريس ) ثم تحمل الأم الطفل فى صحبة الأهل إلى النهر حيث يغسل الطفل بالماء ويلقى الحلاق جلدة الذكر وعملة قديمة فى الماء لتهدئة أشباح النيل وبعدها يتجه الأهل والضيوف فى موكب إلى أضرحة الشيوخ ويتقدم والد الطفل الموكب حاملا سيفه ويتبعه الطفل المزين ممتطيا الحمار ، ثم يتبعه أحد العبيد وهو يدق الدف على ظهر بعير يحمل كيسين من ( اللاسليج ) و( الابريق ) لتوزيعها على الضيوف عند ضريح الشيخ أو الوالى وكان يتبع ذلك البعير بقرة تذبح وتعد وليمة من لحمها عند الضريح وتتبعهم الام والأقارب ، بينما ينتشرون الاهالى على جانبى الموكب فالثناء إعداد الوليمة يطوف ووالده وبعض الأقارب ضريح الشيخ سبع مرات وخلال الطواف يطلبون من صاحب المقام أن يمده بالصحة والثروة .
وكان من العادات المتبعة فى ذلك الوقت أن يراع الاحتياطات والإجراءات الوقائية خلال فترة الختان ولمدة أربعين يوميا واكثر ، وهى الاحتياطات التى تتعلق بالمشاهرة ، إذ إن هناك اعتقاد نوبى سائد أن الإنسان الذى يمر بفترة حرجة مثل الميلاد والختان والزواج يتعرض للخطر لمدة أربعين يوما أو حتى حلول الشهر العربى الجديد ، وخلال هذه الفترة يكون الشخص عرضة للعين الشريرة وللجن ، ولهذا فهو يضع الحجاب أو التعويذة التى تحميه من المخاطر التى قد تهدد قدرته على الإنجاب .
أما عن ختان الإناث ، كان الاحتفال يتم بشكل مختصر ويتسم بالخصوصية ولا تتطلب أي استعدادات كما هو الحال فى ختان الذكور ، ففى الليلة التى تسبق الختان كانت تزين الفتاة الصغيرة بالحلى الذهبية وترتدى ملابس جديدة وتتجمل كعروس حقيقة حيث توضع الكحل على عينها والحنة فى يديها وقدميها وفى هدوء شديد وبلا دفوف أو طبول تقوم الداية بإجراء العملية .
ويعتبر النوبيون أن عملية الختان من الضروريات ومنها الالتزام الدينى ويعتقدون أن هذه العملية تطهر الطفل وتعده للصلاة فى المستقبل .
هذه نبذة من تراث النوبة القديمة ذات الإرث الغنى بالتاريخ و التى غرقت فى قاع بحيرة السد العالى وغرق معها كل شئ جميل ولم يبق منها سوى الذكريات فى وجدان أبنائها الذين ضحوا بموطنهم من اجل بقية مواطنيهم
وكان للنهر دورة الهام حتى فى طقوس الزواج ، وكان للولادة ايضا علاقة وثيقة بالنهر حيث كانت تحمل الام مولودها وتتجه به إلى النهر وتقوم بإلقاء عدد سبع حبات من البلح مع المشيمة فى النهر وتقوم بغسل وجه الطفل ويديه وقدميه ، وكذلك فى حالة ختان الذكر كان يغطى جسد الطفل بالحنة ويأخذ الطفل إلى النهر للاستحمام فيه ، ثم يبدأ الحلاق بإجراء عملية الطهور وفور انتهاء العملية تعلق عملة معدنية لقطعة الجلد التى بترها الحلاق وتلقى بهما فى النهر .
وكان للختان الذكور مراسم احتفالية خاصة ، وعادة كانت تتم الختان فى الفترة مابين أربعين يوماً بعد الولادة وحتى بلوغ سن العاشرة وكان يطلق عليها اسم ( باليه دوى ، أو أركنة دول ) أى الزواج الكبير فكانت من أهم واكبر شعائر الاحتفال فى النوبة ، وعلى الرغم من أن الختان فى النوبة كان يتسم بضخامة التكاليف ويحتاج إلى وقت أطول فى التنظيم الإ أنه ياتى فى المرتبة الثانية بعد الزواج وكانت أهم الترتيبات توقير الماشية التى تنحر فى هذه المناسبة ، وعندما يتفق أقارب الطفل يقوم أحد العبيد بإعلان موعد الختان رسميا ، ويتجول فى القرية والقرى المجاورة معلناً يوم الختان وتفاصيل الاحتفال ، وعندئذ تتجمع النساء فى اليوم التالى فى منزل الطفل للمعاونه فى إعداد الملابس والطعام للضيوف كالشعرية وخبز الذرة والبلح والابريق وتستغرق الاستعدادات خمسة عشر أو عشرين يوماً .
وعندما تتم الاستعدادات لهذه المناسبة يقوم العبد بجولة أخرى داعياً الناس لحضور الاحتفال ، ويصل الضيوف فى أزهى ملابسهم من كل مكان ، بالقوارب أو بالدواب أو مشياً على الأقدام وكان يطلق على أول أيام حفل الختان اسم ( باسم ) حيث تبداء الموسيقى والرقص ظهر هذا اليوم لتستمر قرابة أربعة أيام بلا توقف ثم تنحر الأسرة بقرة وتقيم وليمة للضيوف فى المساء وكان الطفل المحتفل به يتبوأ موقع الشرف مرتديا ملابس جديدة تزينها حبات السبحة وعملات ذهبية أو فضية .
وكانت عملية الختان تتم فى صباح اليوم التالى لاحتفالات الرقص وفى الصباح الباكر يستحم الطفل ويلبس جلابية بيضاء من القماش الخفيف حتى لا يؤثر علي الجرح وتوضع قلادة ذهبية تسمى ( باندوكى ) أو فرج الله والخاصة بوالدته أو جدته حول عنقه ويوضع الحنه فى يديه وقدميه وكذلك الكحل على العنيين ، وبعد وضع الحنه توضع طرحة امرأة على راس الطفل وكانت هذه الإجراءات الوقائية تتخذ ضد الجن ، وفى تلك الأثناء يقدم الأهالي النقوط إلى عائلة الطفل ، وكان من النادر تداول النقود فى النوبة القديمة ، ولذا كان النقوط عبارة عن بلح وأقماع السكر والقمح وكان أحد العبيد يعلن عن الهدايا التى يقدمها الرجال والنساء للأبوين ثم يتم تدوينها بعناية .
وبعد ذلك يبداء الحلاق بتلاوة البسملة ثم يقوم ببتر جلده الذكر وكان يتم وضع بيضتين فى إناء صغير وتقربه الام من انف الصبى حتى لا يصاب بالإغماء ثم تضع بعض هذا البيض على الجرح ، وفى تلك الأثناء تستمر النساء فى الرقص والدق على الدفوف مطلقين زغاريد الفرحة ويقدمن التهاني مرددين ( مبروك يا عريس ) ثم تحمل الأم الطفل فى صحبة الأهل إلى النهر حيث يغسل الطفل بالماء ويلقى الحلاق جلدة الذكر وعملة قديمة فى الماء لتهدئة أشباح النيل وبعدها يتجه الأهل والضيوف فى موكب إلى أضرحة الشيوخ ويتقدم والد الطفل الموكب حاملا سيفه ويتبعه الطفل المزين ممتطيا الحمار ، ثم يتبعه أحد العبيد وهو يدق الدف على ظهر بعير يحمل كيسين من ( اللاسليج ) و( الابريق ) لتوزيعها على الضيوف عند ضريح الشيخ أو الوالى وكان يتبع ذلك البعير بقرة تذبح وتعد وليمة من لحمها عند الضريح وتتبعهم الام والأقارب ، بينما ينتشرون الاهالى على جانبى الموكب فالثناء إعداد الوليمة يطوف ووالده وبعض الأقارب ضريح الشيخ سبع مرات وخلال الطواف يطلبون من صاحب المقام أن يمده بالصحة والثروة .
وكان من العادات المتبعة فى ذلك الوقت أن يراع الاحتياطات والإجراءات الوقائية خلال فترة الختان ولمدة أربعين يوميا واكثر ، وهى الاحتياطات التى تتعلق بالمشاهرة ، إذ إن هناك اعتقاد نوبى سائد أن الإنسان الذى يمر بفترة حرجة مثل الميلاد والختان والزواج يتعرض للخطر لمدة أربعين يوما أو حتى حلول الشهر العربى الجديد ، وخلال هذه الفترة يكون الشخص عرضة للعين الشريرة وللجن ، ولهذا فهو يضع الحجاب أو التعويذة التى تحميه من المخاطر التى قد تهدد قدرته على الإنجاب .
أما عن ختان الإناث ، كان الاحتفال يتم بشكل مختصر ويتسم بالخصوصية ولا تتطلب أي استعدادات كما هو الحال فى ختان الذكور ، ففى الليلة التى تسبق الختان كانت تزين الفتاة الصغيرة بالحلى الذهبية وترتدى ملابس جديدة وتتجمل كعروس حقيقة حيث توضع الكحل على عينها والحنة فى يديها وقدميها وفى هدوء شديد وبلا دفوف أو طبول تقوم الداية بإجراء العملية .
ويعتبر النوبيون أن عملية الختان من الضروريات ومنها الالتزام الدينى ويعتقدون أن هذه العملية تطهر الطفل وتعده للصلاة فى المستقبل .
هذه نبذة من تراث النوبة القديمة ذات الإرث الغنى بالتاريخ و التى غرقت فى قاع بحيرة السد العالى وغرق معها كل شئ جميل ولم يبق منها سوى الذكريات فى وجدان أبنائها الذين ضحوا بموطنهم من اجل بقية مواطنيهم