قــــــورتــــة دووول

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

قــــــورتــــة دووول لكل نوبي


    اغتيال المتنبي

    ابن كشتمنة
    ابن كشتمنة
    مرشحه للأشراف
    مرشحه للأشراف


    عدد الرسائل : 588
    العمر : 39
    تاريخ التسجيل : 29/11/2007

    جديد اغتيال المتنبي

    مُساهمة من طرف ابن كشتمنة الإثنين يونيو 02, 2008 2:47 am

    عاش المتنبي حياته باحثا عن الثروة والجاه والسلطان، وعندما أعياه ذلك امتلأت نفسه حسرة علي أيامه التي لم يحقق فيها شيئا يذكر، ولم يدر أنه بهجائه أحد أعدائه، كان يضع بداية النهاية لحياته نفسها.
    لقد طاف المتنبي ببلاد كثيرة، ورحل عنها وهو يبحث عن مكانة تليق به كشاعر كبير، ولم ير أنه ينبغي له أن يحافظ علي مكانته كشاعر يتحدث عنه كل الناس، وعن شعره الذي غزا القلوب والعقول، ولكنه أراد أن يدعم موهبته الشعرية بمركز سلطوي يضفي عليه القوة والكبرياء.. ولايعيش مجرد مادح لأمراء يتبوأون مناصب لايستحقونها، ويجلسون علي عروش أكبر منهم، وأنهم يصدرون أوامراهم فقطاع، وأن الناس يخافونهم ويهابونهم وبرغبون في عطائهم، مع أنه أكبر همة منهم، وأنه الأحق بالسلطة والسلطان.

    وهذه الأمور نغصت حياة شاعرنا العربي الكبير، ولم يهدأ له بال، ولم تعلقه العطايا والهبات التي نالها عن التطلع إلي ما هو فوق الطاقة.. أو التطلع نحو المستحيل.
    وكان آخر المطاف في حياته في بلاد الفرس، حيث اتصل بعضد الدولة الذي قدر شاعريته، وأهداه الكثير من العطايا، وأغدق عليه المال والذهب.. وقد قضي المتنبي في معية عضد الدولة حوالي ثلاثة أشهر، ولكن طيعته الملولة في الاستقرار طويلا في مكان واحد دفعته أن يستأذن للعودة إلي العراق..!
    كان المتنبي قد هجا لرجل اسمه حنبه هجاء لاذعا مرا، تناول فيه التعرض لأمه بأقذع الصفات مما حدا بخاله (فاتك بن أبي جهل) أن يقسم بالانتقام منه لخوضه في شرف أخته..
    وقد قرر (فاتك) هذا أن يتربص له عند عودته من بلاد المعتضد، ويقوم بقتله وجاء في (صبح المنبي) أنني سأذهب إلي أبي نصر محمد الجبلي يسألونه عما صدر لأبي الطيب بعد مفارقته عضد الدولة، وكيف كان قتله؟
    فأجابهم جوابا طويلا يقول في أثنائه.. كما يحدثنا بذلك الدكتور جمال الدين الرمادي:
    :.. أما ما سألتم عنه من خبر مقتل أبي الطيب المتنبي، فأنا أسوقه لكم وأشرحه شرحا بينا.. اعلموا أن مسيره كان من (واسط) يوم السبت لثلاث عشرة بقيت من رمضان سنة ثلثمائة وأربع وخمسين. فقتل بضيعة تقرب من (دير العاقول) لليلتين بقيتا من شهر رمضان، والذي تولي قتله وقتل ابنه وغلامه رجل من بني أسد يقال له فاتك بن أبي جهل، وكان من قول فاتك لما قتله:
    قبحا لهذه اللحية ياقذاف المحصنات'.
    وذلك أن فاتكا هذا هو خال ضبه بن زيد العيني الذي هجاه أبوالطيب فأقذع'.
    وبقتل المتنبي فقد الشعر العربي علما من أعلامه في القرن الرابع الهجري لايزال شعره مضرب الأمثال حتي وقتنا هذ ويصور لنا الشاعر الكبير علي الجارم الساعات الأخيرة من حياة المتنبي في قصته (الشاعر الطموح)
    فيقول:
    :.... أما عصابة فاتك فقد أحكمت انفاذ مؤامرتها، ورحلت عن الكوفة علي النحو الذي دبرته، وربضت بدير العاقول تنتظر قدوم المتنبي، فأسرع إلي القوم شمربن وهب جاسوسهم بفارس وأخبرهم برحيل المتنبي، وبأنه كان يرقب طريق سيره، وبأنه رآه بالأمس وهو يحط رحاله بجبل، فتواثبوا علي خيولهم وأخذوا يجوبون الطريق بين دير العاقول وجبل.
    وحينما عزم المتنبي علي الرحيل جلس إليه أبونصر وقال:
    علي أي شيء أنت مجمع با أبا الطبيب؟
    لقد عزمت علي الرحيل مساء اليوم، وسأتخذ الليل مركبا فإن السير يخف علي.
    نعم الرأي ياأبا الطيب. ولكني أري أن يكون معك جماعة من رجال هذه البلدة الذين يعرفون هذه الأماكن المخيفة. فقطب المتنبي وجهه وقال:
    لم تقول هذا يا أبانصر؟
    إنما أردت أن تستأنس بهذه الجماعة فصاح في غضب:
    أما ونجاد السيف في عنقي فما بي حاجة إلي مؤنس غيره. فأجابه في مضض:
    الرأي لك يا أبا الطيب. وإنما كنت لك نصيحا.
    إن تلويحك يا أبا نصر ينبيء بشيء، فعرفني جلية الأمر. فزفر الجبلي زفرة طويلة:
    جلية الأمر ياسيدي أن فاتكا الأسدي كان عندي منذ ثلاثة أيام، وهو ينقد عليك غضبا لأنك هجوت ابن أخته حنبه، وقد بدرت منه بوادر فوجب عليك الاحتراز والتيقظ، ومعه نحو ثلاثين من بني عمه يأكلون النار ويحطمون الحجر الأسود، فالرأي ياسيدي أن تأخذ معك عشرين رجلا يسيرون بين يديك إلي بغداد.. فانتفخت أوداج المتنبي من الغيظ وصاح.
    لا والله لا أرضي أن يتحدث عني الناس باني سرت في خفارة أحد غير سيفي، فأسرع أبوالنصر يقول وقد نفد صبره:
    يا هذا.. إني سأوجه معك قوما من قبلي يسيرون بسيرك ويكونون في خفارتك.
    لا والله لافعلت شيئا من هذا.. أمن عبيد العصا تخاف علي؟ والله لو أن مخصرتي هذه ملقاة علي شاطيء الفرات وبنو أسد كلهم متعطشون بخمس، وقد نظروا إلي الماء كبطون الحيات، ما جر لهم خف ولاظلف أن يرده. معاذ الله أن أشغل فكري بهم لحظة عين. إنهم كلاب عادية يا أبا نصر، ولن يمسوا شعرة مني.
    قل إن شاء الله يا أبا الطيب.
    هي كلمة مقولة لاتدفع مقضيا، ولاتستجلب آتيا، وركب المتنبي ومعه عبيدة وذخائره في ليلة حالكة الظلام، وأخذ طريقه حتي حاذي النعمانية، ثم أخذ السير حتي قارب الصافية وبينها وبين بغداد ستة عشر فرسخا، وفي اليوم الثامن والعشرين من شهر رمضان سنة أربع وخمسين وثلاثمائة خرج عليه في هذا المكان فاتك ورجاله فقاتلهم الشاعر قتال الأبطال، حتي قتل جميع من كانوا معه وبقي وحيدا يضرب بسيفه ذات اليمين وذات الشمال، وقد نال منه الضعف، وأخذ منه الوهن، فحمل عليه فاتك وطعنه في جنبه الأيسر فأسقطه عن جواده فارتمي علي الأرض.
    وأخذ يجود بأنفاس قصار تزاحمها حشرجة الموت ويردد:
    ردي حياض الردي يانفسي واتركي
    حياض خوف الردي للشاء والغنم
    ان لم أذرك علي الأرماح سائلة
    فلا ادعيت ابن أم المجد والكرم وهكذا انتهت حياة هذا الشاعر الكبير الذي قيل عنه أنه ملأ الدنيا وشغل الناس وترك تراثا عريضا، خالدا علي الأيام وتردد الأجيال أنه مر علي دنيانا ذات يوم شاعر كبير، ترجمت أشعاره إلي معظم لغات العالم.. ومازالت أشعاره توضع في مقدمة شعراء العالم.

      الوقت/التاريخ الآن هو الأربعاء مايو 15, 2024 10:16 pm